كان ذلك في صبيحة يوم جمعة على ما أتذكر.. اليوم الوحيد الذي نفطر فيه سويًا، ووفقًا لطقوس معينة لم تعتريها عبر السنين سوى تعديلات بسيطة.. بابا يعد طبق الفول بالطماطم والثوم.. أنا أقوم بتسخين العيش (وأحمصه زيادة شوية لتوخي الدقة).. ماما في إعفاء مؤقت من الخدمة.. ثم الملاءة الملونة على الأرض أمام البلكونة.. ثم الشاي في البراد.. عادة مع بعض فصوص القرنفل .
.
كنا نتناول الشاي.. سرح كعادته في ما لا يمكن لأحد أن يحدده.. مال برأسه في هدوء.. "فاضل شوية ويتلاقوا".. ملت أنا الأخرى برأسي في نفس الاتجاه، عرفت أنه يتحدث عنهما.. اعتراني شعور غامر بالفرح لكلماته.. تابعتهما لفترة بانتظام لأعرف متى سيلتقوا، ولكن لسبب ما لا أعرفه نسيت الموضوع، ولم أعد أتابع رحلتهما نحو العناق المنتظر
.
.
منذ أيام ألقى بي صديقي الباص "160" على ناصية الشارع، تاركًا إياي أمام شارع طويل مشمس بلا أي رقعة ظل في منتصف النهار.. عندما وصلت لهما، احتضنتني رقعة كبيرة وحنونة من الظل.. اتساعها وريحها الطيب جعلاني أتطلع إلى مصدرها.. عندما رفعت بصري إلى السماء، رأيتهما.. الشجرتان الكبيرتان قد التقيا وتعانقا.. صانعين بحيرة الظل تلك.. التي لا تستطيع شجرة وحيدة مهما كانت مورقة أن ترسمها.. نسيم بحيرة الظل تلك لا يصنعه سوى لقاء بين الأحبة.. حتى لو كانوا شجرتين تنبأ أبي بلقائهما قبل أن يحين ميعاده ببضع سنين
.
.
ذكرني كل ما حدث بفقرة في رواية بهاء طاهر "واحة الغروب".. أحضرتها من الدولاب، وأخذت أقلب أوراقها، لأري أنني بالفعل قد أحطت تلك الفقرة بقوسين كبيرين بالقلم الرصاص.. إلى الشجرتين وبحيرة الظل التي أزهرها عناقهما أهدي هذه الكلمات
.
.
صمم الملك أن يفصل بينها وبين حبيبها حتى في الموت، دفنها بعيدًا عن قبره يفصل بينهما نهر أو قناة. لكن نبتة نمت من قبرها، لعلها اللبلاب، استطالت وامتدت في البر وعبر الماء فعانقت في الضفة الأخرى فرعًا نما من قبر حبيبها ونبتت من عناقهما شجيرة، أمر الملك بقطع الشجيرة وبتر الفرعين لكنهما نبتا من جديد وتعانقا مرة ومرتين ومرات كثيرة إلى أن يئس الملك وأوقف البتر. قهر حبهما في الممات إرادة الشر
____________________________
العنوان من أغنية: أحبك أكثر.. أميمة خليل