عرفت تميمًا وصيف العام الفائت يسلم مفاتيح الدار للخريف، ثم رأيت مريدًا وقت التقاء الخريف بالشتاء، وقرأت رضوى في عز الصيف، عندما لا يكون هناك تسليم مفاتيح، أو لقاء، أو وداع، عندما يستبد الصيف ولا نجد بدًا من التسليم باستبداده
.
.
بوركت هذه العائلة
.
.
تؤرقني كثيرًا فكرة أنه ربما كنت سأعيش وأموت دون أن أعرف ثلاثتهم.. مريد.. رضوى.. تميم
الفكرة على أي حال.. مستبعدة، فالطرق - رغم كل شيء - مازالت لا تضن علينا باللقاء
.
.
ثلاثية غرناطة نصٌ تحياه.. لا تقرأه
.
.
قرأته بالكامل تقريبًا في الحافلة.. شهدت الحافلة كل طقوس القراءة
الدموع
الضحك
أقواس كثيرة بالقلم الرصاص
إعادة قراءة الكثير من الصفحات
وأيضًا
السهو عن محطة النزول.. أكثر من مرة
.
.
في غرناطة المكان، هناك الكثير مما لا يسع المرء أن ينقطع عن عودته بعد الزيارة الأولى
(أو هكذا يخيل إلي)
في غرناطة النص، هناك الكثير مما لا يسع المرء أن ينقطع عن قراءته بعد القراءة الأولى
(هكذا عرفت ولمست)
.
.
هنا بعض من غرناطة.. النص.. المكان.. أو توحدهما
.
.
وصار أول المخطوط في الكتاب
لم يحجب خفوت ضوء الغسق عن سليمة وجه سعد.. لم تفهم اختلاجه ولا اجتماع الصفاء والكدر على صفحته المرتعشة بحزن عميق أحسته وإن لم تحط به. ولما رأت تلك الدمعة التي انحدرت من طرف العين خلسة مدت يدها إلى يده وأمسكت بها
(أحب هذه الفقرة.. أراها تسجل فوتوغرافيًا اللحظة التي أحبت فيها سليمة سعد.. دون أن تدري)
.
.
هذا القلب الذي يطلب فجأة ما لا ينال.. غريب هذا القلب، غريب
(تطرح غرناطة عددًا لانهائيًا من الأسئلة)
.
.
هل تراهم بعد ذلك أم ينقضي العمر، عمرهم وعمرها، دون أن تلتقي العيون بالعيون؟
.
.
ما الخطأ في أن يتعلق الغريق بلوح خشب أو عود أو قشة؟ ما الجرم في أن يصنع لنفسه قنديلاً مزججا وملونا لكي يتحمل عتمة أيامه؟ ما الخطيئة في ان يتطلع إلى يوم جديد آملا ومستبشرا
.
.
كان عليه أن يواجه النهار، كيف يواجهه؟
.
.
هل في الزمن النسيان حقًا كما يقولون؟ ليس صحيحًا. الزمن يجلو الذاكرة كأنه الماء تغمر الذهب فيه، يوما أو ألف عام فتجده في قاع النهر يلتمع. لا يفسد الماءُ سوى المعدن الرخيص، يصيب سطحه ساعة فيعلوه الصدأ. لا يسقط الزمن الأصيل في حياة الإنسان
.
.
عندما أذن الله للصبح الطيب بأن يطلع
(في غرناطة.. لا توجد إجابات نهائية.. فقط محاولات)
.
.
لا أرض بلا سماء: يا أحكم الحاكمين يا صاحب الزرقاء العالية يا وعد الحق.. يا الله
.
.
تبدو المصائب كبيرة تقبض الروح، ثم يأتي ما هو أعتى وأشد فيصغر ما بدا كبيرًا وينكمش متقلصًا في زاوية من القلب والحشا
.
.
في وحشة سجنك ترى أحبابك أكثر، لأن في الوقت متسعًا، ولأنهم يأتونك حدبًا عليك في محنتك، ويتركون لك أن تتملى وجوههم ما شئت وإن طال تأملك
.
.
تعرف أن الوقت لم يحن ولكنها ترى بعين الخيال عودة الغائبين، وتنتظر
.
.
تتلبد السماء بالغيوم أحيانا وتظلم، ولكنها أيضا تشرق في أحيان أخرى
.
.
أيضًا في غرناطة
تتحدث رضوى عاشور عن "رائحة العشب المبلل".. الرائحة التي عرفتها منذ زمن طويل.. وأدركت معناها مؤخرًا.. وكانت مفاجأة من زمن الفرحة البعيد أن أجدها عند رضوى
.
.
.
.
الكتابة عن غرناطة شفاء.. تمامًا مثل قراءتها
_____________________________________
الصورة: مشهد عن قرب لأحد أجزاء قصر الحمراء بغرناطة
جميع الاقتباسات الملونة ذات الخط المائل: من ثلاثية غرناطة
أطياف: اسم رواية لرضوى عاشور