Friday, November 23, 2007

في عرس فلسطيني

قد تدور أحداث المشهد التالي في عرس ريفي فلسطيني في الرامة أو مجد الكروم أو دير غسانة... كلهن سواء... كلهن وطن
غمزة من عينها في العرس
و انجن الولد
وكأن الأهل والليل
وأكتاف الشباب المستعيذين من الأحزان بالدبكة
والعمات والخالات والمختار
صاروا لا أحد
***
وحده اللويح في منديله يرتج كل الليل
والبنت التي خصته بالضوء المصفى
أصبحت كل البلد
مد ّ يمناه على آخرها
نفض المنديل مثنى وثلاثا
قدم ثبتها في الأرض لمحا
ورمى الأخرى إلى الأعلى كشاكوش وأرساها وتد
***
كلما أوشك أن يهوي على سحجة كف
جاءه من سحبة الناي سند
يلقف العتمة كالشهوة من أعلى بروج الليل
حتى ضوء عينيها تماما
يعرق الصدر وشعر الصدر من ميلانه يمنى ويسرى
ثم يسري عرق الظهر عموديا تماما
وحياء القلب خلى كل ما في القلب يخفى
والقميص الأبيض المبتل من أكتافه حتى حزام الجلدِ
خلى فقرات الظهر تحصى بالعدد
***
غمزة أخرى ولو مت هنا
غمزة أخرى ولو طال انتظاري للأبد
مريد البرغوثي

Friday, November 16, 2007

" رأيت مريدا"




كان يوما شتويا استثنائيا... الخميس الخامس عشر من نوفمبر... لم أجد في نفسي شجاعة لأخبرهم في المنزل أنني ذاهبة لحضور ندوة شعرية... حتى لو كان المتحدث مريد البرغوثي... إنها المفارقة الحياتية التي تجعل من الشعر رفاهية وترفا، متجاهلة أن وجودنا قصيدة وقصيدتنا وجود... أشرت لوالدتي في صوت خافت أنني لن أذهب إلى مكتبة السفارة الأمريكية كما كنت قد أشرت بالأمس، ولكنني سأحضر ندوة لمريد البرغوثي في كلية الآداب بجامعة القاهرة... ألقيت بكلماتي وانتظرت الرد من عينيها... استطاعت أمي كعادتها أن تتفهم ماذا يعني لي الأمر في الوقت الذي تتزايد فيه شكوكي حول معاني الأشياء... أسعدني ردها... طمأنني أن قلبها مازال مفتوحا للحياة... رغم كل شيء

.

.

لم يكن من السهل أن أترك المنزل في يوم إجازتي الوحيد تاركة ورائي ستار كئيب يلف البيت... وددت لوأقضي اليوم معهم... ولكنه مريد البرغوثي يا أبتاه!... كنت أتساءل رغم كل شيء عن جدوى المشوار... هل سيخذلني الشعر؟... استمرت تساؤلاتي وشكوكي وأنا أسير داخل جامعة القاهرة لأول مرة... بدا اليوم استثنائيا، وكان هذا سببا كافيا لأشعر بالرضا حتى لو لم أكن لأرى مريد البرغوثي

.

.

أسأل ويدلنني الجميع... أصل لكلية الآداب... لقسم اللغة الفرنسية... للغرفة 506... تقع عيناي أول ما تقع على أستاذتي هناك مرتدية سترتها القرمزية الداكنة التي أحبها كثيرا... أشعر بالأمان لرؤياها... لم أخطىء العنوان إذن، ولكن وعيي لم يتقبل بعد أمر رؤية إنسان فلسطيني رأي العين... لم أدرك حقيقة الأمر إلا عندما باغتتني أستاذتي وأجلستني بجوارها... تسارعت أنفاسي وارتعشت يداي ... ابتسمت لها موضحة أنني لم أستعد للجلوس على بعد متر واحد من مريد البرغوثي... ردت مداعبة بأنه محاضر رائع... "هو ده الأصل"... ابتسمت

.

.

طل علينا سريعا بوجه طفولي تنيره حمرة فلسطينية هي-كما أتخيلها- خليط من البرتقال والزيتون، تعلوه مساحة من البياض الذي ذكرني بجدتي وأنقذني من أن أتوهم أنه تميم... تساءلت ماذا أخذ تميم من رضوى عاشور؟... أنار حضوره جنبات القاعة الصغيرة قبل أن يبدأ الحديث... كنت حينها قد تجاوزت مرحلة اللاوعي إلى الوعي... وبقي فقط أن أنظرلملامحه الفلسطينية وأستمع إلى صوته الأسطوري

.

.

هجى الكاتب المتوقع



ساوى بين القصيدة والقصد



شكر آلهة القلق والارتياب التي تصفع اطمئنانه أكثر مما تصفق له



قال في حزن:في الوطن من يخدمه ومن يستخدمه، وفي الوطن من يدفع الثمن ومن يقبضه



شهد أن وقاحة الخروج على الأوركسترا كانت بدايته



الشعر هو طريقي وطريقتي للتدخل في شؤون العالم



مزاعم القصيدة أصدق من مزاعم شاعرها



من لا يقول جديدا يفسد حكاية العالم فينا ويفسد حكايتنا في العالم
.

.

ثم جاء الشعر

.

.

أتلمَّس أحوالي منذ وُلدتُ إلى اليوم
وفي يأسي أتذكر
أن هناك حياةً بعد الموتِ
هناك حياة بعد الموت
ولا مشكلة لدي

لكني أسأل
يا ألله

أهناك حياةٌ قبل الموت؟


من قصيدة: لا مشكلة لدي

.

.
قالت عبّادَةُ الشمس للشمس

مُمِلٌّ إتِّباعُكِ كلَّ يوم


من قصيدة: منطق الكائنات

.

.

لا يفارقني اليوم بكل تفاصيله... أراه الآن كفصل ملحمي أقحم عن طريق الخطأ في رواية هزلية... لا أعرف لماذا... بقي منه أكثر ما بقي طلة وجه فلسطيني على قاعة درس رطبة ونظرة دهشة لمعت بها عيون ملائكتي الصغار " أو عفاريتي الصغار إذا صح التعبير" وأنا أروي لهم أنني "رأيت مريدا".... وكان يوما شتويا استثنائيا

Saturday, November 3, 2007

بين شقي الرحى




أستيقظ صباحاً وقلبي مثقل بالهموم... بعضها أعرفها والبعض الآخر لا أستطيع أن أحدد ماهيته... فقط أشعر بوطأتها على قلبي... يخيم
علي شعوراً هلامياً بالاكتئاب... تيسطر علي أمنية طفولية بأن يمر اليوم ويأتي الليل سريعاً لأتناول عشائي بارداً وألوذ إلى الفراش... أقاوم اكتئابي الصباحي ... يبدأ اليوم... تتخلله فواصل غير متوقعة من الضحك ولحظات أخرى من الإظلام المؤقث... يمر يومي لا أعرف كيف... في نهاية المسرحية اليومية أجد نفسي جالسة على كرسي مريح في الحافلة رقم "18"... أتنفس الصعداء... أستمتع إلى أقصى مدى بتجوال الحافلة في شوارع مدينة نصر المزدحمة وميادين مصر الجديدة المتلألأة... تلك هي ساعات الحلم الرسمية... أحرص على أن أجلس بجوار الشباك... مشهد الشوراع اللاهثة يتواطء مع نسيم الخريف المسائي ويحملاني إلى أرض الأحلام... أفتح حقيبتي... أخرج سلسلة مفاتيحي الفضة... أقبض عليها بكفي بقوة... أغلق الحقيبة وأنا أشعر بالأمان التام


.

.

.

سرعان ما أجد نفسي أمشي وحيدة في الشارع الهاديء الموصل إلى منزلنا... أحدث نفسي بصوت خافت... ما أجمل أن ننزلق بين شقي رحى الحياة دون أن ندعها تطحننا... قد تؤلمنا ...ولكنني أبداً لن أدعها تطحنني كما تفعل بحبات القمح

.

.

.

كانت الأيام السابقة رحلة مقاومة في وجه الحياة... لا أعرف إن كنت نجحت تماماً أو لا... على الأقل لم تطحنني بعد... نعم... من المؤكد أنها لم تطحنني... ولكن كانت هناك لحظات شديدة الظلمة... لحظات انهارت فيها مقاومتي أو كادت أن تفعل... ولكن لم يشأ الله أن يتركني وحدي... زرع في طريقي نبتة من نور... كان ذلك عندما وقعت عيناي على بذور النور تلك

من يصورك وحده

لا يدعك وحيدا وسط القلق

وفي بيت تصويرك، أي قلبك

يخلق مائتي نديم جميل

مولانا جلال الدين الرومي

.

.

.

وتبدد الظلام... ربما لم يستقر النور في القلب بعد... ولكن المقاومة مازالت مستمرة