Friday, November 16, 2007

" رأيت مريدا"




كان يوما شتويا استثنائيا... الخميس الخامس عشر من نوفمبر... لم أجد في نفسي شجاعة لأخبرهم في المنزل أنني ذاهبة لحضور ندوة شعرية... حتى لو كان المتحدث مريد البرغوثي... إنها المفارقة الحياتية التي تجعل من الشعر رفاهية وترفا، متجاهلة أن وجودنا قصيدة وقصيدتنا وجود... أشرت لوالدتي في صوت خافت أنني لن أذهب إلى مكتبة السفارة الأمريكية كما كنت قد أشرت بالأمس، ولكنني سأحضر ندوة لمريد البرغوثي في كلية الآداب بجامعة القاهرة... ألقيت بكلماتي وانتظرت الرد من عينيها... استطاعت أمي كعادتها أن تتفهم ماذا يعني لي الأمر في الوقت الذي تتزايد فيه شكوكي حول معاني الأشياء... أسعدني ردها... طمأنني أن قلبها مازال مفتوحا للحياة... رغم كل شيء

.

.

لم يكن من السهل أن أترك المنزل في يوم إجازتي الوحيد تاركة ورائي ستار كئيب يلف البيت... وددت لوأقضي اليوم معهم... ولكنه مريد البرغوثي يا أبتاه!... كنت أتساءل رغم كل شيء عن جدوى المشوار... هل سيخذلني الشعر؟... استمرت تساؤلاتي وشكوكي وأنا أسير داخل جامعة القاهرة لأول مرة... بدا اليوم استثنائيا، وكان هذا سببا كافيا لأشعر بالرضا حتى لو لم أكن لأرى مريد البرغوثي

.

.

أسأل ويدلنني الجميع... أصل لكلية الآداب... لقسم اللغة الفرنسية... للغرفة 506... تقع عيناي أول ما تقع على أستاذتي هناك مرتدية سترتها القرمزية الداكنة التي أحبها كثيرا... أشعر بالأمان لرؤياها... لم أخطىء العنوان إذن، ولكن وعيي لم يتقبل بعد أمر رؤية إنسان فلسطيني رأي العين... لم أدرك حقيقة الأمر إلا عندما باغتتني أستاذتي وأجلستني بجوارها... تسارعت أنفاسي وارتعشت يداي ... ابتسمت لها موضحة أنني لم أستعد للجلوس على بعد متر واحد من مريد البرغوثي... ردت مداعبة بأنه محاضر رائع... "هو ده الأصل"... ابتسمت

.

.

طل علينا سريعا بوجه طفولي تنيره حمرة فلسطينية هي-كما أتخيلها- خليط من البرتقال والزيتون، تعلوه مساحة من البياض الذي ذكرني بجدتي وأنقذني من أن أتوهم أنه تميم... تساءلت ماذا أخذ تميم من رضوى عاشور؟... أنار حضوره جنبات القاعة الصغيرة قبل أن يبدأ الحديث... كنت حينها قد تجاوزت مرحلة اللاوعي إلى الوعي... وبقي فقط أن أنظرلملامحه الفلسطينية وأستمع إلى صوته الأسطوري

.

.

هجى الكاتب المتوقع



ساوى بين القصيدة والقصد



شكر آلهة القلق والارتياب التي تصفع اطمئنانه أكثر مما تصفق له



قال في حزن:في الوطن من يخدمه ومن يستخدمه، وفي الوطن من يدفع الثمن ومن يقبضه



شهد أن وقاحة الخروج على الأوركسترا كانت بدايته



الشعر هو طريقي وطريقتي للتدخل في شؤون العالم



مزاعم القصيدة أصدق من مزاعم شاعرها



من لا يقول جديدا يفسد حكاية العالم فينا ويفسد حكايتنا في العالم
.

.

ثم جاء الشعر

.

.

أتلمَّس أحوالي منذ وُلدتُ إلى اليوم
وفي يأسي أتذكر
أن هناك حياةً بعد الموتِ
هناك حياة بعد الموت
ولا مشكلة لدي

لكني أسأل
يا ألله

أهناك حياةٌ قبل الموت؟


من قصيدة: لا مشكلة لدي

.

.
قالت عبّادَةُ الشمس للشمس

مُمِلٌّ إتِّباعُكِ كلَّ يوم


من قصيدة: منطق الكائنات

.

.

لا يفارقني اليوم بكل تفاصيله... أراه الآن كفصل ملحمي أقحم عن طريق الخطأ في رواية هزلية... لا أعرف لماذا... بقي منه أكثر ما بقي طلة وجه فلسطيني على قاعة درس رطبة ونظرة دهشة لمعت بها عيون ملائكتي الصغار " أو عفاريتي الصغار إذا صح التعبير" وأنا أروي لهم أنني "رأيت مريدا".... وكان يوما شتويا استثنائيا

5 comments:

Anonymous said...

YES..and your description is EXCEPTIONAL!


my lovely dearest friend..you're exceptional masha Allah..and it was a great morning..that still makes me smile till this very day..and for a whole long while to come !:)

Aladdin said...

وأنا "ما" رأيت مريداً!
وكان يوما شتويا "عاديا"!! (سمايلي نادمة) :))

روز said...

يا بختك !

هي كانت مين الدكتورة دي ؟ اوعي تقولي د. كرمة !

....
بس بجد يا بختك..
معجزة انك تشوفي شاعر انتي بتحبيه وجها لوجه كده
كان مرة محمد المخزنجي في معرض الكتاب في حفل توقيع، ما رحتش المعرض من اصله يوميها عشان مش متخيلاه حقيقي !

Beautiful Mind said...

السلام عليكم
وأنا رأيته أيضا بين سطور وصفك الجميل
شعرت فعلا انى أمامه
..
ومن أجمل الكلمات
((لكنى أسأل يا الله أهناك حياة قبل الموت))

ومنطق الكلمات
قالت عبادة الشمس للشمس

"ممل اتباعك كل يوم"
ياليتها قالت أيضا
ممل انتظارك منذ الغروب حتى الشروق
وممل هجرك لى طوال الليل
كل ليله
حتى الصباح
..
.. تحياتى

كلمات said...

Epitaph:
Glad to see your smile:))

Aladdin:
You have got your own two poets!
And I think they are capable of producing exceptional days as much as Mourid!
:))

Haneen:
I wish you were there!
I remembereed you on that day!
I really regret thinknig you would not be able to come!
Hopefully, WE would see Mourid again, TOGETHER insha Allah
And Yes, that was our VINE Dr Karma!
Miss you so much:((

Beautiful Mind:
Did you really see him?
That would be a victory for me:)

But cheer up!

Eventually, the sun rises:))
You said so, I think.