Tuesday, February 5, 2008

افتقاد

من قال لي يومًا أن العصافير مازالت تغرد؟.. لابد أن أحدًا ما قال لي هذا.. ربما لم يخبرني أحد، ولكنني سرت قريبًا في حلمية الزيتون، تحت الأشجار، وسمعت أصواتًا خلتها تغريد العصافير.. الآن فهمت أنها لم تكن تغرد.. ماذا كانت تلك الأصوات إذن؟ ربما كان بكاؤها على أشجار الزيتون التي لم تعد تطرح زيتونًا.. الآن عرفت مصدر خيالاتي حول تغريد العصافير.. إنها سخافاتي وطفولتي التي لا تريد أن تشب عن الطوق...
.
.

- "مين قطع التينة يا امرأة عمي؟"
- "كبرت وهيشت. هاجر إلي هاجر ومات إلي مات. لمين اطعم تينها يا ولدي؟ لا من يقطف ولا من ياكل. التين يظل عليها حتى ينشف ويوسخ الحوش كله. غلبتني. قطعتها وارتحت."
مريد البرغوثي
"رأيت رام الله"
انتي ارتحتي وهي- أقصد تينة دار رعد الخضارية - ارتاحت يا أم طلال...
.
.

من كان هذا الطيب الذي قال لي أن الحلم المصري مازال ممكنًا؟.. هل كان بهاء؟.. سامحني يا خال.. ولكنك مخطيء.. خطؤك لم يكن ما قلت، فأنا أعرفك جيدًا وأعرف قلبك الأبيض، ولكن لم ينبغي لك أبدًا أن تقوله لي كل صباح وتزورني في نومي وصحوي وتهمس بكلماتك في أذني.. ألا تعرف طفلتك وتشبثها بالكلمات؟.. ألم تعرف أن كلماتك تلك ستجعل بعض أيامي أصعب مما ينبغي وأظلم مما يحتمل؟.. ليتك لم تخبرني أن هناك حلمًا مصريًا وأنني ابنة هذا الحلم وأمه.. ليتك لم تحكي لي حدوتة الشجرة والجذور.. أتعرف يا خال؟.. روايتك طاردتني في معرض الكتاب.. تناولتها وقلبتها يمينًا وشمالاً مرات عديدة، وفي كل مرة كنت أعيدها للرف، ولكنني وجدتها تسترق النظر من بين طوابق البرج الكبير الذي صنعته من الكتب وحملته بين ذراعي لأدفع ثمنه.. ابتسمت يا خال.. أخاف من كلماتك.. وأنت تصر على أن تتبعني.. أظنك تعرف يا خال أنني بالطبع أخذت الرواية.. افتقدتك اليوم يا خال...
.
.

لماذا وقفت هناك يا أستاذتي.. أمامي تمامًا؟.. لماذا ارتديت تلك السترة القرمزية؟.. لماذا كنت أكثر إشراقًا من أي يوم رأيتك فيه؟.. لماذا سألتني أن أقف وأرفع صوتي وأقرأ تعريفي الخاص للثقافة؟.. ولماذا تمنيت لو كان بهاء طاهر معنا ليسمعنا، فأصبح الخال بهاء من يومها؟.. لماذا أشرت بيدك الطيبة إلى النافذة الكبيرة في يوم شتوي وقلتي أن النور سيأتي من هنا يومًا ما؟ من يومها وأنا أجلس منتظرة بجوار النافذة.. افتقدتك اليوم يا أستاذتي.. افتقدت كلتاكما..
.
.
لماذا فعلتي بي هذا يا ملكة الفراشات؟.. لماذا وضعتي فوق مكتبي لوحة الفراشات المحنطة؟.. لماذا أخبرتني أنني فراشة ذات جناحين، وأنني ذات يوم سأطير؟.. لماذا جعلتي مني جنينًا ومن بيتك رحمًا؟ ألم تعرفي أنني لن أجد حضّانة تكفل لي الحياة حتى يحين ميعاد ميلادي؟.. لماذا تبتسمي في وجهي تلك الابتسامة المحبة الطفولية، وتربتي على كتفي بكفك الدافيء؟.. ألا تعرفي أنني سأفتقد كل هذا عندما آتي إلى الدنيا؟.. افتقدتك اليوم يا حلمي...
.
.

يا جلال الدين.. عفوًا يا مولانا..لقد كذبت علي مريدتك.. أين هم المائة نديم الخضر الذين وعدت أن ترسلهم بالبريد لأزرعهم في قلبي؟.. كنت سأتصرف بأدب وأرسل لك أينما كنت أولى النبتات النامية.. انتظرت كثيرًا ولم يصلني شيء.. لكن لماذا تغرر بي من البداية وتجعلني أصدق أن هناك جمالاً ينبت في القلب وسط القلق؟.. لم ينبت أي شيء اليوم يا رومي... افتقدت تغريرك بي اليوم يا مولانا...
.
.

يا أمير الدنمارك.. أحقًا تخال أن هناك قصة ستروى؟
افتقدتك اليوم.. ولكن كنت ممتنة أنك مت.. وارتحت من كل هذا "العفن"..
.
.

يا تميم.. أتلفت التاريخ لك متبسمًا؟.. أمتأكد أنت؟.. كنت قد صدقتك.. فقط أخشي أن تكون الطفولة المتدثرة برداء الشباب التي غررت بي قد غررت بك...
.
.

يا مريد.. أهناك حياة قبل الموت؟.. أم أنك فقط تطرح الأسئلة.. أنت تعرف الإجابة.. تعرف أن منيف مات.. وأن أمل غسان كنفاني في أن يتأخر الاغتيال الأكيد حتى يكبر الأولاد لم يتحقق.. تعرف بالطبع أن ساحة دار رعد أصبحت خاوية من شجرة التين الخضارية...
.
.

يا كل من زرعتم بذور الحلم في أرضي

يا كل من علمتموني حب الجمال عندما أحببتكم

يا كل من جعلتموني أحب الحياة

يا كل من علمتموني تقديس إرادة الله الساكنة في روح "الإنسان"

لم أعرف أن الجمال الذي نثرتموه في طرقاتي فأنرتموها سيجعلني لا أحتمل قبح الأزقة المظلمة على هذا النحو..

7 comments:

Anonymous said...

حين تسير ولا تجد الحلم
يمشي امامك كالظل
يصفر قلبك
(محمود درويش)

...

وانا عارفة ان قلبك اخضر ح يفتح زي الوردة

...

منيف مات ..ايوة
بس صورته في البلكونة
في رام الله

...

بهاء مضحكش علينا
ما هو رفاعة اتنفي
و رجع
وكمل
اصله كان قصاده لوحة الفراشات المحنطة
عشان تفكره دايما ان بكرة جي بتحقيق الحلم

..

الفراشة...رمز الحلم
والفراشة لازم تطير

...

ان توقعت شيئا وخانك حدسك,فاذهب غدا
لتري اين كنت,وقل للفراشة: شكرا

(محمود درويش(

Anonymous said...

نسيت اقولك صحيح

انا عندي نفس الصورة دي

غريبة
ناس كتير قلت لها ع الموقع
لكن ما صادفش ابدا ان نفس الاحساس يختار نفس الصورة

لكن انت بقي
حاجة تانية

:)

Aladdin said...

تلك هي الحال منذ زمن بعييييييييييد يا كلمات!! أبطالك الأعزاء من أول مريد البرغوثي ومرورا ببهاء طاهر وأساتذة كلية الألسن إلى الرومي وهاملت وتميم مروا - تقريبا ومع وضع الظروف "الفردية" لكل واحد منهم - بنفس "الأزقة المظلمة القبيحة" والتي مرّ بها عالم لغوي وناقد عربي قديم هو أبو الهلال العسكري - صاحب كتاب "الصناعتين" - والذي اضطر إلى الجلوس في السوق يزاول أعمالاً كسائر الناس الذين لم ينالوا نصيباً من المعارف والعلوم، فقال يصف حاله:‏

[جلوسي في سوقٍ أبيع وأشتري... دليلٌ على أن الأنام قرود
ويهجوهم عني رثاثة كسوتي... هجاءً قبيحاً ما عليه مزيد]!!

كلمه said...

لم أعرف أن الجمال الذي نثرتوه في طرقاتي فأنرتموها ستجعلني لا أحتمل قبح الأزقة المظلمة على هذا النحو


3azeeeeeeeeeeeem

alsunian4ever said...

من ذا الذي قال إنَّ شمس الروح الخالدة قد ماتت؟


ومن الذي تجرأ على القول بأن شمس الأمل قد تولَّت؟
مولانا جلال الدين الرومي

وبعدين يا كلمات من فضلك ملكيش دعوة بهاملت عشان بجد معرفش لية لاقيت فية فتى احلامى " مش كتير عليك لو أعيش حبيى سنينى ليك"
وشكرا جدااااا للدكتورة الجميلة لانها هي السبب

كلمات said...
This comment has been removed by the author.
كلمات said...

Epitaph,

هو محمود درويش عنده فراشات؟؟
:))

شكرًا على الدفا إلي حضرتك رشتيه هنا

والشكر لمحموددرويش.. بالطبع.. والفراشات
--------------------------------

Aladdin,

You are perfectly right, but in the midst of the cloud, we forget this universal FACT.

لك الشكر على التعريف بأبو الهلال العسكري

-------------------------
كلمة

أشكرك

وأشكرهم أيضًا
--------------------------

Alsunian4ever,

That's a most wonderful quote indeed, dear!!

But watch out, Hamlet is not Prince Charming..!!