Friday, June 29, 2007

سامحيني أيتها الأوراق




الكلمة إيد






الكلمة رجل







الكلمة باب






الكلمة نجمة كهربية في الضباب






الكلمة كوبري صلب فوق بحر العباب


الجن يا أحباب ما يقدر يهدمه


فاتكلموا ... اتكلموا ... اتكلمواااااااااااااااااا


العلاقة الحميمة التي تجمعني بالكتابة بدأت منذ زمن طويل...يشهد على ذلك اسمي المكتوب بخط طفولي متموج في كتب الجراحة والنساء والتوليد الخاصة بأمي وأبي...ثم تأتي المدرسة...مدرسة الحكماء الابتدائية بالزقازيق...مدرسة أمي وأبي!...مبنى المدرسة كان قصراً ملكياً قبل الثورة...الشرفات الرحبة...السلالم الخشبية ذات الدرابزين النحاس...البانيوهات الكبيرة في الحمامات...لم أمكث في هذا القصر المدرسي سوى أسبوعان...زلزال أكتوبر 92...آل هذا القصر الذي كان شامخا في يوم من الأيام للسقوط وآلت معه للسقوط الكثير من المعاني...في هذا القصر كتبت أولى واجباتي المدرسية...على ماأتذكر كانت الكراسة مجلدة باللون الأحمر...أتذكر تشجيع معلمتي...أبلة رجاء الحموي...أتذكر الدولاب الخشبي الذي كانت تضع به الكراسات ثم تغلقه بقفل صغير كما لو كانت تخشى على كنزها من الضياع...

في يوم من الأيام أهدتني تلك الخاله الحبيبة أجندة وقالت لي :"اكتبي...أريدك أن تكتبي...أعتقد أن لديك ما تكتبيه." فرحت بالهدية ولكنني لم أدرك قيمتها حينها...كتبت ولكنني لم أواصل...بعد ذلك اقتصرت كتابتي على موضوعات التعبير...

مرت السنون...جاءت سنوات المراهقة...لم أثر أي متاعب...كانت أمي كثيراً ما تردد أنني مراهقة مثالية بلا مشاكل أو صدامات ...هذا ما بدا للجميع...لكن بالتأكيد كان هناك متاعب... احتفظت بها داخلي فاعتقد الجميع أنها غير موجودة...إنها عادتنا نحن البشر... نصدق ما يبدو لنا رغم خداعه في معظم الأحيان...

كنت وحيدة للغاية...في بلاد ليست بعيدة ولكنها ليست وطناً... بلا أصدقاء...بعض المعارف وبعض النزهات...لكن بلا تواصل حقيقي...انغمست في القراءة...كنت أقرأ كل ما تقع عليه عيناي...جريدة الشرق الأوسط اللندنية...الجرائد السعودية...الأهرام المصري أيام الجمعة...المجلات الخليجية الرديئة...الكثير من الكتب حول القضية الفلسطينية...قصاصات الجرائد التي نأكل عليها... وجدت عالماً ظننت حينها أنه يعوضني عن الأصدقاء والتواصل الإنساني...نجح هذا العالم في احتوائي ولكنه لم يكن كافياً... الاستقبال وحده لم يكفي لاحتواء مراهقة حالمة وحيدة...فكانت الكتابة... بدأت أكتب مذكراتي...أتذكر أولى المذكرات... كانت على شكل قلب وردي...لم أنتظم يوماً في كتابة المذكرات بشكل صارم ولكنها كانت هناك دائماً... قطعت الكثير منها... واشتريت المزيد... حتى بعد عودتي وبعدما أخذ عالمي يمتلأ شيئاً فشيئاً بالاهتمامات والدراسة والناس... ظلت هذه المذكرات هناك ...أحدثها عندما لاأجد من أتحدث إليه... تسمعني عندما تعصى آذان البشر على الإستماع...لم تسء فهمي يوماً... ولم أخشى على أسراري معها... لكل هذا لم يكن قرار الدخول إلى عالم التدوين بالأمر السهل... من المؤكد أن التدوين لن يترك سوى مساحة ضئيلة للمذكرات... و ربما لن يترك أي مساحة على الإطلاق... لا أريد أن أخون رفيقاً لم أرى منه سوى الوفاء... ولكنني بحاجة لقناة جديدة فلدي الكثير من الكلمات... سامحيني أيتها الأوراق... أعلم أنك ستسامحيني... فقلبك الذي طالما احتواني لن يعجز اليوم عن احتواء حاجة طفلته إلى البوح بشكل مختلف.

No comments: