Thursday, September 13, 2007

عندما أيقظ تميم الحلم

شاعر اقتحم اسمه حياتي دون سابق إنذار... اسمه تميم... اسم عربي لا تسمعه كثيراً... فلسطيني مصري... حسناً... يا لها من تركيبة غنية!... أبوه شاعر وأمه روائية... في أيام معدودة أدركت فداحة خسارتي... كيف صرت بنت الواحدة والعشرين دون أن ألتقي بفرد واحد من أفراد هذا العقد العربي... كيف بلغت سن الرشد دون أن أقرأ "رأيت رام الله" أو "ثلاثية غرناطة" أو "مقام عراق"... في محاولة لتدارك ما فاتني –وهو كثير- كنت أبحث عن مكان أجد فيه دواوين تميم الأربعة لأبدأ من البذرة رحلتي في اكتشاف هذه الشجرة العربية... أوصلني بحثي بالصدفة إلى موقع مريد البرغوثي... كم كان خجلي من نفسي كبيراً وأنا أجد نفسي تائهة بين كلمات شاعر لم أسمع باسمه من قبل... من هناك انتقلت إلى موقع تميم الابن لأجد سيرة ذاتية مختصرة فاجأتني... ما شاء الله!... باحث له باع في العلوم السياسية... ياللروعة!... بعض أشعاره على الموقع... نقرة تتلوها الأخرى... يا سلام!... أشعار بالفصحى... وأخرى بالعامية المصرية... وأخرى بالعامية الفلسطينية... لا أعلم لماذا سيطر علي حينها شعوراً طاغياً بأنني وجدت كنزاً ... ربما السطور التي وقعت عليها عيناي وأنا أقوم بنقل كل الملفات الموجودة على الموقع لأحفظها بحاسوبي
.
.
.

انتهيت من أعمال النقل والحفظ وبدأت في القراءة... ولا أعلم الآن ما يجدر بي أن أقول... هل أقول يا ليتني ما بدأت؟... أم أقول يا ليتني بدأت منذ زمن طويل؟... عندما كان الحلم لا يزال حياً بداخلي... لا أعلم ماذا أريد ولكنني
أعلم جيداً أن جزءاً مني كان قد مات والآن أشعر به جنيناً ينمو داخل أروقة نفسي من جديد
.
.
.
القصة بدأت منذ زمن طويل... ربما كانت البداية اللحظة التي جئت فيها إلى الدنيا... بنت عربية ولدت في نفس العام الذي شبت فيه الانتفاضة الفلسطينية الأولى... وتصاعدت الأحداث عندما شبت الفتاة عن الطوق لتجد نفسها وحيدة في وسط الجزيرة العربية مع والدين منهمكين في عملهما كطبيبين وأخت صغيرة هادئة لا تتكلم كثيراً... حينها بدأت حكاية تلك الفتاة العربية تتحول إلى نسيج محكم الغزل... عندما انهمكت في القراءة... ولم يكن ما تقرؤه سوي جريدة الشرق الأوسط اللندنية... تقرؤها كل يوم من الصفحة الأولى إلى الصفحة الأخيرة... وبالطبع كانت معظم الأخبار تأتي من تلك الأرض الطيبة... أرض الزيتون... كان كل ما تقرؤه الفتاة حول فلسطين والجولان ولبنان يمثل لها أهم شيء في الوجود، وكل ما تجده عدا ذلك في الجريدة تعتبره تفاهات لا يجب الالتفات إليها، رغم أنها كانت تقرؤها... هناك بين صفحات الألم العربي وجدت تلك الفتاة ما يبرر وجودها ويملأ كيانها بقضية تحيا من أجلها... كانت تبحث عن هويتها فوجدتها بين تفاصيل القضية... مع مرور الأيام واقتراب الفتاة أكثر وأكثر مما اعتبرته قضيتها بدأت تنسحب من الحياة العادية... لم تستطع أن تفهم كيف لمن حولها أن يأكلوا ويتنزهوا ويبتسموا متناسين القضية... أصبحت الحياة كل الحياة هي القضية... كان الأمر في نظرها في غاية البساطة... هي قضيتنا وليس لنا أن نعيش هكذا حياة طبيعية دون أن نسترد حقوقنا... كان الأمر بسيطاً في نظرها ... فلنذهب جميعاً إلى هناك ونحارب ونسترد حقوقنا ... وحينها يمكننا أن نحيا... عاشت الفتاة في حلم جميل سنة أو سنتان هما كل ما يجب أن يحسب من سنوات عمرها العديدة... تحلم بأن تذهب هناك ... إلى القدس... ربما كصحفية أو مجرد زائرة... وهناك ستنضم إلى صفوف المقاومة... حلقت بأحلامها بعيداً حتى وصلت إلى سماء رأت فيها فلسطين حرة ورأت هي نفسها تنتقل بين سيناء وفلسطين في حرية
.
.
.
كان الحلم جميلاً ... ولكن لم تكتب له شهادة ميلاد... لا تتذكر التفاصيل... أو بالأحرى تتناساها... أم توبخ سذاجة مراهقة مندفعة... أب يبتسم في حزن أمام حلم يبدو أنه رأى فيه شيئاً من صباه ولكنه لم يستطع أن يمد له يداً... أتذكر ليلة نمت فيها محتمية بظلام لحافي المبلل بالدموع... نمت في تلك الليلة متمنية ألا أرى الصباح... ولكنني رأيته... منذ ذلك الحين وأنا أراه ولكنه صباح مشوه سرق منه الحلم... وما الصباح إلا حلم
.
.
.

منذ ذلك الحين وأنا أحيا كأم فقدت أحد أطفالها... تمر الأيام ويظن الجميع أنها نسيت ولكن الأم أبداً لا تنسى... منذ ذلك الحين وأنا أحيا مبتورة... بترت سيقان حلمي فعاشت روحي قعيدة... لم تنجح كل الأحداث المؤلمة أن توقظ الحلم فقد دفنوه بعيدًا تحت الثرى فلم يكن من الممكن لأي يد أن تمتد إليه وتخرجه من الظلام... لهذا شاهدت الفتاة سقوط بغداد في صمت... لهذا لم تستطع أن تفرح لنصر حزب الله لأنها كانت تحلم بأن تكون هناك في وسط المعركة بين المقاتلين لا بين المتفرجين... لكن الحياة أبتا عليها هذا الحلم... لهذا صرخت في صمت عندما رأت راشيل كوري تحيا الحلم الذي لم تستطع أن هي أن تحياه... لهذا لم توقظ خناجر الألم الحلم عندما وقفت الفتاة مشدوهة أمام التلفاز ترى من كانت تحلم بالانضمام إلى صفوف مقاومتهم يغرزون سيوفهم في أكباد بعضهم البعض حتى جاء أباها وأغلق التلفاز
.
.
.
حتى عندما أصبح للفتاة حلماً بديلاً ورأت في الفضاء صورة أستاذة في الجامعة... حتى عندما لمست هذا الحلم البديل بيديها... لم تفرح... وما المعلم إلا زارع للأحلام الملونة في نفوس البشر... وكيف أن أزرع أحلاماً وقد سرقت مني البذور؟
.
.
.

حتى جاءت تلك الليلة التي جلست فيها أتصفح ما كنت قد ملأت به حاسوبي من شعر تميم... قرأت الشعر من قبل ولكن لم أقرأ شعرًا تولد مع كلماته نفسي من جديد... قرأت الشعر لكنه لم يقرأني من قبل... قرأت الشعر لكن لم يعد حلمي إلى الحياة... قرأت الشعر لكن لم أقرأ تميم
.
.
.


في القدس رائحةٌ تُلَخِّصُ بابلاً والهندَ في دكانِ عطارٍ بخانِ الزيتْ
واللهِ رائحةٌ لها لغةٌ سَتَفْهَمُها إذا أصْغَيتْ
وتقولُ لي إذ يطلقونَ قنابل الغاز المسيِّلِ للدموعِ عَلَيَّ: لا تحفل بهم
وتفوحُ من بعدِ انحسارِ الغازِ، وَهْيَ تقولُ لي: أرأيتْ
عندما وصلت لتلك السطور سمعت صوت الحلم يصرخ هنالك... ربما تكون الرائحة التي عرفتها وأصغيت لها وأنا أرى القدس في أحلامي هي التي أيقظت الحلم... وبنهاية القصيدة كنت قد وجدت ساقي المبتورة وصباحي الحالم... كنت قد وجدت نفسي العربية الفقيدة تعود إلى الحياة
العين تُغْمِضُ، ثمَّ تنظُرُ، سائقُ السيارةِ الصفراءِ، مالَ بنا شَمالاً نائياً عن بابها
والقدس صارت خلفنا
والعينُ تبصرُها بمرآةِ اليمينِ
تَغَيَّرَتْ ألوانُها في الشمسِ، مِنْ قبلِ الغيابْ
إذ فاجَأَتْني بسمةٌ لم أدْرِ كيفَ تَسَلَّلَتْ للوَجْهِ
قالت لي وقد أَمْعَنْتُ ما أَمْعنْتْ
يا أيها الباكي وراءَ السورِ، أحمقُ أَنْتْ؟
أَجُنِنْتْ؟
لا تبكِ عينُكَ أيها المنسيُّ من متنِ الكتابْ
لا تبكِ عينُكَ أيها العَرَبِيُّ واعلمْ أنَّهُ
في القدسِ من في القدسِ لكنْ
لا أَرَى في القدسِ إلا أَنْت

هل حقاً لم يحصل تميم على اللقب؟
.
ومن صاحب حق منح الألقاب؟
.
هل هم فرسان النور أم فرسان الظلام؟
.
ومن هو أمير الشعراء سوى من تعيد كلماته نفسك إلى الحياة وتعيد إليك أحلامك المسروقة؟
.
ومن هو الأمير سوى تميم؟

4 comments:

Anonymous said...

فلسطين حلم
بغداد حلم
احلام مسروقه...او بمعنى أدق منهوبه
انها احدى احلامنا التى سرقت منا دون ان نعلم مثل احلام كثيرة فى حياتنا سرقت منا ومازالت ذكراها تؤرقنا
(لكنها الأحلام تنثرنا سرابا فى المدى وتظل سرا فى الجوانح يختنق)

اسلوبك ممتاز
دائما أقرأ لك

كلمات said...

Dear anonymous,
إنها حقا أحلامنا المسروقة التي لا مفر من استعادتها لنستعيد أنفسنا
هل سرقت منك بعض الأحلام؟ إقرأ تميم فشعره المعجون بالكبرياء يعيدك إلى الحياة
مرحبا بك بين كلماتي
كم أود أن أعرف هوية صاحب الكلمات التي بين الأقواس.. وبالطبع صاحب أو صاحبة التعليق
رمضان كريم

كلمات said...

أستاذ يحيى سالم
أولا مرحباً بك هنا وكل عام وأنت بخير
.
.
.
والحقيقة " أن كل ده مش عشان تميم البرغوثي" ولكن لما يمثله تميم من معان
.
.
.
من حقك أن تراه شاعرا"كويس" أو لا تراه ولكن ليس من حقك أت تشبه الشعر ... أي شعر... ببضاعة تعرض في فاترينة ... فهناك فرق بين "البضائع" وبين "الهوية"... تميم ليس مجرد شاعر ولكنه شئنا أم أبينا رمزاً للشاعر عندما يعي أنه صوت ضمير الأمة... ورمزا للجمع بين نضال الكلمة ونضال الساحات... ورمزاً لثمار علاقة الأب بالبنين التي تجمع مصر بفلسطين
.
.
.
... تميم ليس " شاعر كويس ابن روائية عظيمة وخلاص"... عندما يتعلق الأمر برموز الهوية العربية لا نستطيع أن نقول "وخلاص"... وأهلاً بك مرة أخرى

Anonymous said...

أقرأ الإدراج - متأخرة - ربما ، ولكني أفاجأ بأن الفكرة والشعور الطاغي مازالا بنفس القوة والاشتعال في النص و " داخلي " ، أملك ذات النظرة والولع لتميم وكلماته ، ولو أني أمسكت القلم لصغت الفكرة التي أوردتها تماماً بذات التشابه ربما ،

أحس بأن تميم جاء يحكي عن فلسطين في وقت توقفنا فيه جميعاً عن ذكرها وعن حبها ، جاء يذكرنا بها ويحث الوطن بداخلنا على الثورة والرجوع ،

ربما جاء كذلك يثبت بأن شيئاً ما بداخلنا صحيح وقابل للتحقيق لو أردنا وجاهدنا لأجله ،

ربنا انتهى زمن الحلم يا صديقتي فدعي تميم يوقظ بداخلنا " الوطن "

دمت بود